أفضل الذكر لا إله إلا الله
لأن أقول سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم
اضغط هنا هم دقيقتان فقط



Thursday, August 26, 2021

فوق ‏أغصان ‏الزيتون

باسطاً جناحيه الصغيرين فوق أحد أغصان شجرة الزيتون، رافعاً رأسه الصغير ليتطلع من بين الأغصان إلى الأفق الذي اصطبغ بحمرة الغروب ومن حين لآخر يلتفت برأسه ماداً بصره في كل الاتجاهات وكأنه يبحث عن شيء ما. ومن حين لآخر ينظر لجناحيه الصغيرين اللذين تعلما الطيران بالأمس ثم يعاود النظر إلى الأفق مرة أخرى لعله يجد ضالته.
وفجأة يعتدل مستبشراً... ها هي... أخيرا ظهرت في الأفق.... إنها أمه جاءت تطير مسرعة. شعر بالسرور الشديد ورقص قلبه فرحا لرؤيتها فقد وعدته أمه أن تطير معه عندما تعود. ولكن ماذا بها؟ لماذا ينبع كل هذا الحزن من عينيها؟
حطت على الغصن بجواره فسألها: ماذا بكِ يا أماه؟ لماذا تفيض عيناكِ بكل هذا الشجن؟ فأجابته بنبرة تعيسة: هيا يا بني يجب أن نرحل بسرعة.
تسآل متعجباً: إلى أين نرحل يا أماه ولِمَ؟
أجابت الأم في عجلة: إنهم في طريقهم إلى هنا يا ولدي لا تُكثر من الأسئلة وأسرع لقد قطعوا كل الأشجار وقتلوا كل الطيور ليس لدينا متسع من الوقت أسرع بالله عليك.
أجاب مستنكراً: ولكن يا أمي كيف نترك عشنا وشجرتنا؟ وصديقي فداء أين سيذاكر دروسه إذا قطعوا الشجرة؟ أنتِ تعرفين يا أمي أنه يأتي كل يوم ليذاكر تحت أغصان الزيتون ويحضر لي حبات القمح. لا يا أمي لا أستطيع أن أذهب سأبقى وأرجوهم ألا يقطعوا شجرتنا.
صرخت الأم باستجداء: لن يستمعوا إليك يا ولدي صدقني فلقد نُزِعَت الرحمة من قلوبهم وأعمى الجشع أبصارهم ونحن ضعفاء يا بني لا نقوى على مواجهتهم.
نظر إليها بيأس وألم فهو يعرف أنها على حق ولكن تتقطع نياط قلبه لترك عشهم الصغير. امتلأ عقله بصراع شديد بين رغبته في البقاء ورغبة أمه في الفرار ولكن في النهاية استسلم لنظرات أمه الراجية ولدموعها فطار بجناحيه الصغيرين بجوار أمه وعيناه تمتلآن بالدموع. بعد قليل شعر بألم شديد يعتري جناحاه فلازالا صغيرين لا يقويان على الطيران لمسافة طويلة فنظر إلى أمه وهو يتألم وسألها أن تبطيء قليلا وأن يستريحا لبرهة من الزمن على سطح أحد المنازل المجاورة.
توقفت أمه عن الطيران وهي تتوجس خيفة وتنظر حولها بترقب وفي النهاية استجابت لطلبه فاتجها سوياً  إلى سطح أحد المنازل وهبطا ليستريحا قليلا.
أخذ الصغير ينظر إلي الأشجار من بعيد وشاهد الجرافات وهي تقتلع أشجار الزيتون فتسقط وتتناثر الأغصان والثمار والأوراق في الأرجاء وتتساقط معها دموع الصغير كشلال منهمر ولكنه اعتدل فجأة حين انتبه إلى أين تتجه الجرافات فصرخ باستنكار: أماه، ما هذا؟ إنهم يتجهون لمنزل صديقي فداء، أماه سيهدمون منزل صديقي يا أماه. إلى أين سيذهب هو وأخته وأمه؟ إنهم بشر يا أمي ليس لديهم أجنحة ليطيروا ويهربوا مثلنا.
أخذ فرخ الحمام الصغير ينظر إلى بيت صديقه بحسرة ورآه وهو يخرج من البيت مسرعا مع أمه وأخته. تبكي الأم والأخت بقهر وهم ينظرون إلى منزلهم الذي تهدمه الجرافات وأخذا يدعوان بصراخ غاضب على هؤلاء المجرمين بينما فداء يقف ثابتا ينظر بغضب مستعر إلى هؤلاء القتلة المغتصبين ومع كل صخرة تتهاوى من المنزل تتصاعد الحسرة ويشتعل الغضب في قلب فداء حتى تأججت النار في صدره مع انهيار آخر جزء من المنزل فانحنى ليلتقط حجرا من بين أنقاض المنزل ثم استقام شامخا ليقذف الحجر بكل قوة على الغزاة المعتدين فالتفتوا إليه بغضب مميت والتقط أحدهم مدفعه الرشاش واستدار ليمطر فداء بوابل من الرصاص.
رأى الفرخ الصغير الرصاصات وهي تندفع نحو صديقه فطار مسرعا ليقف في طريقها ويفتدي صديقه ولكن سبق السيف العذل ونالت الرصاصات الغادرة من الصغيرين واهتزت أرجاء المكان بصرختين كل منهما تردد : ولدي. لقد سقطا سويا متجاوران جثتان هامدتان لصغيرين بريئين فوق أغصان الزيتون.

No comments: